elCinema.com

عن سينما الإيراني (أصغر فرهدي)

[ من صفحة أصغر فرهادي ]
يمكن أكتر حاجة مميزة في سينما أصغر فرهدي انه يرغمك كمُشاهد على التورُّط فـ تفاصيل حكاويه بشكل تنسى معاه انك بتشوف فيلم، وتوصل لحالة معينة من (المُعايشـة) للحدث اللي قدامك تعجز عن انك تحط إيدك على نقطة واحدة وتقول انها كانت السبب فـ كده، الراجل عنده قدرة عجيبة انه يُقحِمك فـ قصصه ويشدك -حرفياً- للمشكلات اللي بتواجهها شخصيات أفلامه عن طريق ما يُشبه الخلطة السحرية اللي تمثل بَصمة خاصة ليه كصانع أفلام… التطبيق النموذجي للمقولة الشهيرة (بتنسى انك بتتفرج على فيلم) !..

من مُشاهدة ثلاث أفلام أقل ما تتوصف بيها انها (عظيمة) للإيراني (أصغر فرهدي) أقدر أقول ان السينما بالنسباله تنقسم لشيئين أساسيين : أولاً سيناريو مدروس ومحبوك كويس جداً… وثانياً القيمة اللي بيخرجها من الأجواء العائلية فـ تطبيق السيناريوهات دي…

السينما لأصغر فرهدي هيا حالة معايشة، تتفرج على فيلم من أفلامه معناها انك تنسى عالَمَك تماماً وتدخل فـ دهاليز عالم آخر بتعيش فيه بمبدأ (هاعمل ايه لو كنت مكان البطل؟) بإحساسك وجوّانيّاتك ونزعاتك الحياتية وفلسفتك الخاصة، الراجل كأنه بيختبرك في الحياة وبيشوف قد ايه انتا عارف ذاتك حقاً إذا ما وُضِعتُ في ذات الموقف…

الكلام يطول ويطول عن المميز في سينما فرهدي، والمداخل والمناظير كتيرة جداً اللي ممكن تشوف بيها سينما الراجل… أفلامه متعددة القراءات… يمكن أكتر خاصية لمستها منه كمخرج من واقع مُشاهدتي لأفلامه التلاتة انه بينقل (إيران) الدولة فـ أفلامه، سينماه محلية جداً… تقدر تتعرف عن تاريخ إيران وأجواء الدولة بمجرد مُشاهدك لأحد أفلامه… شئ آخر، وهوا (الأجواء العائلية)… الراجل بيحفر في صميم العلاقات العائلية عشان يخرّج منها أسئلة ويشكّل طبقات عميقة جداً في حكاياته… دايماً الصراع الدرامي فـ أفلامه محطوط تحت سؤال (…وهل ده في النهاية للصالح العام أم لا؟)… منظوره مش بيقتصر على حل مشكلة ما وجدت بين شخوص الفيلم، بل لازم يورينا مدى السبيل لحل تلك المشكلة، التفاصيل مهمة جداً بالنسباله… فـ كده هوا مش بيخلي شخصياته تقع بين الإختيارين (قرار صحيح - قرار خاطئ)… لكنه -ودايماً- بيفضل يقول ان القرار المُختار هوا بمثابة (أفضل الإختيارات السيئة)، تشعر ان كان فيه هاجس دائم بيؤرقه من وهوا صغير عشان دراما أفلامه يبقى فيها كمّ المُعايشة والمصداقية والتفاصيل دي.

السينما لفرهدي هيا قصص بالأساس… عشان كده بيهتم بالحدوتة أولاً وأخيراً… ممكن ميهتمش باللغة البصرية ويختار عدم وضع أي نوع من الموسيقى التصويرية على مدار كامل فيلمه، مع ذلك انتا بتعيش الحدث قلباً وقالباً… الواقعية موجودة بمذاق آخر في سينماه.

أصغر فرهدي صانع أفلام ذو رؤية إستثنائية، سيناريوهات أفلامه عبقرية… تكنيكه الإخراجي مبهر… قدرته انه يصنع كيمياء بين شخصيات أفلامه تُصيبك بالذهول التام، الأجواء اللي بينسجها فـ أفلامه كفيلة انها تخترقك وتستحوذ عليك وتَضَعك فـ موود مختلف تماماً عن أي موود لفيلم توصفه انه يتبع تيار (الواقعية)… أفلامه تُدرَّس بحق وحقيقي.

مأعتقدش فيه مخرج موجود على الساحة حالياً يقدر يوفق بين كون أفلامه فيها (سيناريوهات عظيمة ) و(أجواء معايشة، خارجة هنا بالأصل من التورُّط مع الأجواء العائلية ونوع الأسئلة والقضايا اللي بيطرحها نتيجة منها) ويجعل الأمرين يمشيان على نفس الخط، ويخلق منهم ساسبِنس واقعي، ويكون كل واحدة (سبب ونتيجة) فـ ذات الوقت للأخرى، عشان في النهاية نشوف سينما مش زي أي سينما.

…فليعيش فرهدي بسلام، ويكمّل فـ صناعة الأفلام.