elCinema.com

ريَش Quills

[ من صفحة فيلم : Quills ]
ريَش Quills
( ريشات الكتابة )
هذا الفيلم من إنتاج عام 2000 ، فاز بجائزتي BAFTA و Golden Globe ، و أستُقبل استقبالاً جيداً من قبل النقاد و الجمهور و ترشح لجائزة الأوسكار ، و هو مقتبس من مسرحية للكاتب المسرحي و السيناريست الأمريكي " دوغ رايت " الذي كتب سيناريو الفيلم ، فأخرجه المخرج الأمريكي " فيليب كوفمان " الحاصل على ثماني ترشيحات للأوسكار كأفضل مخرج .
الفيلم مستوحى من السنوات الأخيرة من حياة الكاتب الفرنسي ، ذي الشخصية الغرائبية ، الماركيز " دي ساد " الذي من إسمه إجتُرحَ مصطلحُ ( السادية ) و الذي توصف به اللذة الجنسية عن طريق التعذيب و ممارسة العنف مع الطرف الآخر . و هذه الممارسة لم تقتصر على سلوك أبطال " دي ساد " في نصوصه الروائية ، بل كان ــ هو نفسه ــ يمارسها مع العاهرات و مع خادماته . و بسبب ذلك قضى نحو 32 عاماً متفرقة من حياته في السجون و فترات متفاوتة من الهروب إلى إيطاليا أو متخفياً في أماكن مختلفة من بلده فرنسا.
ولكن ، سواء أإتفقنا أو إختلفنا مع طروحات و سلوك " دي ساد " إلا إنه تُسجّلُ له مبدأيته في التمسك بآرائه و قناعاته الشخصية ، و لم يحد عنها على الرغم من المطاردات و العقوبات التي نالت ردحاً من حياته . و لذلك حفر إسمه في التاريخ كشخصية إستثنائية ، إذ لم يضع قدمه على أثر أحد سابق و لم يستطع أحدٌ أن يقلده أو يمشي على خطاه .
فجميع روايات " دي ساد " ، متحررة من شرط الأخلاق و القيم الإجتماعية و الإنسانية ، و قد فُهمت على أنها نابعة من ظلمات أعماق النفس البشرية ، و يرى " دي ساد " أنها يجب أن تظهر الى العلن و تُـترجَم الى سلوكٍ فعلي . و هو نفسه كان قد فعل كل ما ورد في رواياته و في واقع حياته من أفعال غريبة ، كالزنى بالمحارم و السكر الشديد و عدم الإكتراث بالقوانين و الأعراف و القيم و تنظيم حفلات المجون و الجنس الجماعي و ابتكار أوضاع غريبة في ممارسة الجنس و ممارسة العنف الجنسي . فكل ما نجده في الأفلام الإباحية اليوم ، و خصوصاً ( العنف الجنسي ) ، إنما تعود أصوله الى أفكار و ممارسات و روايات الماركيز " دي ساد " .
يقول " دي ساد " : ( لم أفعل كل ما تخيّلته ، و لن أفعل أبداً . أنا فاجر ، لكنني لستُ مجرماً أو قاتلاً ) ، غير أن هذا ليس اعترافاً كاملاً ، فهو كان منغمساً في الفضائح ، فضيحة تعقبها فضيحة . ففي عام 1763 ، و عندما كان يعيش قرب باريس ، و هو رجلٌ ارستقراطي ، شكت العاهراتُ من سوء سلوكه معهن و من عنفه ، فوُضِع تحت المراقبة ، و في عام 1768 أقامت فتاةٌ إسمُها " روس كيلر " دعوىً قضائية عليه ، بسبب تعرضها للأذى البدني على يديه ، ولكنها اضطرت الى سحبها بعد أن تعرضت الى ضغوط . و بعد أن كثرت تقاريرُ الشرطة عنه ، سُجن لفترة قصيرة ، ثم تم ترحيله الى جنوب فرنسا ليوضع تحت الإقامة الجبرية في قلعته في ( لاكوست ) ، و هناك جاءت شقيقة زوجته للإقامة في القلعة ، فأقام معها علاقة ً جنسية.
في مرسيليا وُجّهت اليه و الى خادمه " لاتور " تهمة تسميم أربع عاهرات بمادة مشتقة من مادة الكانثاريدين ، لغرض الإثارة الجنسية و ممارسة الجنس الجماعي و اللواط و العنف الجنسي معهن ، فحُكم عليهما غيابياً ، ففرّا الى ايطاليا ، و معهما شقيقة زوجته ، ولكن تم اعتقاله و خادمه ، و بعد عدة اشهر تمكن من الفرار و العودة الى قلعته ، غير أن جميع الخدم غادروا القلعة بسبب عنفه و اساءاته ، ففر الى ايطاليا مرة ً أخرة ، و هناك كتب كتابه ( رحلة ايطاليا) .
ولكنه وقع في الفخ عام 1776 عندما أُخبـِرَ بأن أمه تحتضر في قلعته في ( لاكوست ) و هي تريد رؤيته قبل موتها ، و كانت أمه قد توفيت ، و ما أن وصل حتى تم اعتقاله و ايداعه في قلعةٍ في شرق فرنسا . و إذ حُكم عليه بالإعدام فقد نجح في تغيير الحكم بعد الإستئناف ، فأودع السجن ، ولكنه راح يثير المشاكل و الفوضى فتم نقله الى سجن الباستيل ، ثم نُقل الى مصحةٍ عقلية قبل أن يجتاح الفرنسيون السجنَ يوم 14 تموز / يوليو 1789 ، أول يوم من أيام الثورة الفرنسية . و بعد عام أُطلق سراحُه ، لكنه عاد الى السجن عدة مرات ، و قد قضى ما مجموعه 32 سنه من حياته في السجون ، و جميع رواياته كتبها فيها ، حتى أن وزير الداخلية منع وصول الأوراق و الأحبار اليه لمنعه من الكتابة في المصح الذي أودع فيه ، ولكنه مارس عدةَ حِيَـلٍ لتجاوز هذا المنع .
و بأمرٍ مباشرٍ من " نابوليون " بقي الماركيز " دي ساد " في المَصَح و لم يخرج ، حتى انهارت صحته و توفي في 2 ديسمبر / كانون الأول 1814 .
هذا الفيلم ( رِيَش ) ، يؤرخ للمرحلة التي قضاها " دي ساد " في مَصحٍ للأمراض العقلية ، في عهد " نابوليون " الذي رأى في " دي ساد " مُسمِّماً للمجتمع الفرنسي بأفكاره و طروحاته المتعارضة مع القيم الإجتماعية و الدينية ، لذلك أمر بحرق كتبه ( لعب دوره في الفيلم الممثل الأسترالي " جيفري راش " ) . و كانت روايات " دي ساد " ــ حسب الفيلم ــ تُطبع من قبل ناشر مجهول ، و تباع في السوق السوداء ، بعد أن تهرّبها غسالة الملابس " مادلين " ( كيت وينسلت ) و تسلمها الى فارس مجهول ، لعب دوره " توم وارد " ، الذي يوصلها الى الناشر المجهول السيد " ماسي " ، و الذي كان يبث الرعب ــ دون قصد ــ في أوساط السلطات الفرنسية بنشره تلك الروايات ، ما يدفعها الى التوجه مباشرةً الى " دي ساد " في سجنه ، بإرسال دكتور ( رويير كولارد ) الذي لعب دوره " مايكل كين" .
تبدأ أحداث الفيلم في العام 1794 ، في باريس . في ذلك الوقت كان " دي ساد " في الرابعة و الخمسين من عمره ، و هي السن التي يفترض أن يكون فيها في ذروة نضجه الفكري و الأدبي ، غير أن " دي ساد " ــ كما يظهره الفيلم ــ قد بلغ ذروة عطائه الكتابي المتدفق الذي حيّر السلطات و قد منعت عنه ــ بأمرٍ من وزير داخلية " نابوليون " ــ جميع الوسائل التي من الممكن أن يستخدمها في الكتابة ، ولكن خياله لم يقتصر على الأفكار التي راح يدونها بتدفق بل بات يبتكر الوسائل التي تعوضه عما حرمته السلطات منه ، ليدوّن بها تلك الأفكار ، فإستخدم الملاءات و الحيطان بدل الورق و النبيذ و الغائط بدل الحبر ، و فوق هذا خلق حركةً غير طبيعية في المصح العقلي الذي أودع فيه . و لوث أفكار جميع مَن في المصح ، بما فيهم ــ حسب الفيلم ــ الكاهن الكاثوليكي الفرنسي " آبي دي كولمير " . و قد ولد " آبي " عام 1741 و توفي عام 1881، و هو شخصية إشكالية في نظر رجال الكنيسة بسبب أساليبه المتحررة في معالجة المرضى ، بل كان يُشك في أهليته في العلاج و قد عُين معالِجاً في المصح الذي أودع فيه " دي ساد " ، و كان يؤمن بالعلاج عن طريق الفن ، و لم يكن يأخذ بالطرق التقليدية في تقييد المرضى و كبت رغباتهم ، و كان يؤكد على النظام الغذائي للمرضى ، و قد توقف عند شخصيته الكاتب الآلماني " بيتر فايس " ( 1916 ـ 1982 ) في مسرحيته ( اضطهاد واغتيال جان بول مارات ) عام 1963 ، كما أشير إليه في فيلم ظهر عام 1967.
و يأخد المؤرخون على فيلم ( الريَش ) أن الكاهن " آبي " لم يمرض في المصح و لم يتأثر بـ " دي ساد " كما أنه كان قصير القامة و محدودباً ، و ليس كما ظهر في الفيلم و قد جسّد شخصيته الممثل " جواكين فينيكس" .
فيلمُ ( الريَش ) فيلمٌ جميل ، يأخذنا ــ على مدى ساعتين و 4 دقائق من الشد ــ الى فترة الإنعطاف الحاد و تحولاته و إفرازاته في فرنسا نهايات القرن الثامن عشر .