elCinema.com

لي مع المسرح ... قصة حب

[ من صفحة منصف مراد ]
مسرحيا نشأت و مسرحيا عشت و مسرحيا سأبقى.
لقد جرى في عروقي منذ نشأتي الاولى حب للمسرح كحبي لأبوي وكحبي لوطني، فمنذ ان دخلت التعليم الابتدائي في اكتوبر سنة 1955 وكنت انذاك في الخامسة من عمري، كنت ألعب مع أصدقائي في ساحة المدرسة وكان يتملكني أثناء اللعب ميول كبير لتقليد شخصيات خيالية من الخرافات وكنت دائما ارسم الشخصية في خيالي فأعطيها الشكل الذي أراه ثم الصوت، وتراني عندها أتخلى عن شخصيتي لأتقمص الشخصية الجديدة .
واصلت لعبتي تلك في فرقة الكشافة التونسية بأكودة مسقط راسي ومرت الايام …
ولما بلغت العاشرة وبضعة أشهر من عمري انخرطت بنادي الشباب الاشتراكي الدستوري بأكودة والذي وقع افتتاحه سنة 1961 وابتدأ المشوار يأخذ طريق الجد وكانت النتيجة أني تحصلت في تلك الصائفة على الجائزة الاولى على عدة ولايات وذلك اثر عروض مدرسية.
في اواخر سنة 1967 انتقلت الى منزل بورقيبة من أجل الدراسة أين تركت بصماتي ببعث ناد للثقافة في المدرسة التي احتضنتني وفي اواخر السنة الدراسية لسنة 1968 أي في أواخر شهر ماي قدم النادي السابق ذكره حفلا ثقافيا شاملا نال اعجاب كل الحاضرين الذين كان من بينهم السيد معتمد منزل بورقيبة.
في غضون ايام معدودة تم التنسيق بين السيد المعتمد والمرحوم خالد التلاتلي المشرف على برنامج “نادي الشباب” بالتلفزة التونسية فوقعت دعوتي للحضور للبرنامج في شهر جوان 1968 وكانت أول مشاركة لي بسكيتش “البدوي والهاتف” وأول مرة في حياتي أمثل أمام كاميرا وأظهر على شاشة التلفاز.
في سنة 1969 كنت أشتغل في تونس العاصمة وفي يوم من الايام التقيت المرحوم عبد الوهاب بن حليمة الذي قدمني للمرحوم امحمد الاكحل رئيس فرقة النهوض المسرحي وكانت الانطلاقة الفعلية في مدرسة من أعرق المدارس المسرحية في تونس ومع عمالقة المسرح والاذاعة والتلفزة رحم الله من توفي منهم و رزق الاحياء الصحة والعافية، أذكر منهم على سبيل الذكر لا الحصر الحبيب بلحارث ومحمد ممدوح وحسن الخلصي والزهرة فايزة وفاطمة البحري و صلحلح والفنان عبد الله الشاهد و منجية طبوبي والكاتب والممثل الناصر عاشور والممثل حمادي بن ضياء والممثل محرز شقشوق وغيرهم.
ولم يكن المرحوم امحمد الاكحل مديرا للفرقة ومخرجها فقط بل كان أيضا أستاذا معلما أخذت عليه كغيري قواعد الالقاء والنطق الصحيح وكيفية الوقوف والتحرك على الخشبة.
كنت أقرب المقربين للمرحوم امحمد الاكحل حتى أني كلفت بالكتابة العامة للفرقة لمدة خمس سنوات ثم كمساعد رئيس لخمس اخرى. كان نشاطنا حثيثا مليئا بالنجاحات فجلنا البلاد شرقا وغربا وجنوبا وشمالا قدمنا عروضا في المسارح وفي دور الثقافة وفي الساحات العمومية وفي المستشفيات وفي السجون وفي الاذاعة وفي التلفزة وكذلك وبتنسيق مع السيد عبد الملك العريف حين كان واليا نالنا في مناسبتين شرف تقديم عرضين امام المرحوم باني تونس ورئيس جمهوريتها المجاهد الاكبر الحبيب بورقيبة في قصره.
كنا نشعر وكأننا مكلفون بمأمورية تتمثل في ايصال الثقافة لكل التونسيين أينما كانوا، كلفنا ذلك ما كلفنا ولم يجل بخاطرنا في يوم من الايام أن نرتزق من المسرح.
من أروع ما شاركت فيه، المسرحيات التالية : ورثوني وعيني حية والمعروفة ايضا ب يلعن بو ها الدوخة، عم خليفة عروس جديد، مات باجلو، اشكون قتلو، ضحية اخيها وغيرها من المسرحيات وقد سجل اغلبها في التلفزة التونسية.
في سنة 1981 انتقلت الى سوسة بحكم متطلبات عملي حيث نالني شرف تكريمي من وزارة الثقافة، وحصلت على شهادة تبرز مدى مساهمتي الفعالة في بناء أسس المسرح التونسي.
انضممت الى اذاعة المنستير اين واصلت مهمتي الثقافية فقمت بادوار مختلفة في العديد من الانشطة من أهمها : برنامج أهازيج البادية من اخراج المرحوم الاستاذ عياش معرف وحكايات العروي من اخراج الاستاذ كمال داود وحديث الخالدين من اعداد الاستاذ الصادق بوعبان و اخراج الاستاذ كمال داود ومن نوادر العرب من اخراج المرحوم الاستاذ محمد الزرقاطي ومسرحية سجين عسقلان من اخراج المرحوم الاستاذ محمد سلامة.
الى جانب ذلك كنت مكلفا بالمراجعة اللغوية، كذلك وبتشجيع من الاستاذ المنصف الهرقلي الذي كان انذاك مديرا للإذاعة، منحت فرصة الاخراج فقمت ببعض الاعمال وقد كللت بالنجاح والحمد لله.
في سنة 1985 سافرت الى الخارج ولم اعد الى ارض الوطن الا في سنة 1994 .
دعتني اذاعة المنستير للعودة لسالف نشاطي. شاركت في عملين إلا أنني صدمت، ودون أن أدخل في التفاصيل، اكتشفت أن هناك دسيسة ما تحاك ضد الثقافة في تونس وكانت النتيجة اني انسحبت.
في سنة 1995 انضممت لشركة زيني فيلم للإنتاج التلفزي أين شاركت في أعمال تلفزية كللت بنجاح باهر على المستوى الوطني والعربي من أهمها سلسلة ضيعة محروس التي تحصلت على التانيت الذهبي في مهرجان القاهرة لتلفزيون العرب وهي من اخراج المنصف الكاتب والتي تقاسمت فيها البطولة مع المرحوم الفنان القدير الحبيب بن ذياب وساهمت في المراجعة اللغوية وكتبت جل قصائدها، كما شاركت في برنامج الحل بين يديك من تقديم المرحوم سماحة الشيخ العلامة عبد الرحمان خليف واخراج عبد الرزاق الحمامي(هذا البرنامج اعد خصيصا لقناتي اقرا وART) وغيرها من الاعمال حتى موعد غلق المؤسسة.
يسألني اصدقائي لماذا انسحبت وتخليت عن كل هذه التجربة. الجواب هو: لان لي مع المسرح قصة حب طويلة لا أريد أن أطمسها بما يفعله مجرمو الثقافة في وقتنا هذا، فقد كان شكي في مكانه، نحن الان على يقين من أن هناك ضربا للثقافة في تونس كما هو الشأن بالنسبة للتعليم. فأي الامرين أهون ؟ أنزل بالمستوى الى الرداءة ام احافظ على رصيدي كما هو لتتلقاه الاجيال القادمة كما تتمنى ان تتلقاه ؟ اخترت الحل الثاني. فمن يحب لا يهين حبيبه.
ابن اكودة المنصف مراد. اوت 2016