[ من صفحة النهر الثالث ]
النهر
معذرة ايها النهر امهلني كي اعاتبك فانا ممن كان يجلس على ضفتيك دهرا أتأمل صبرك وبريق ماؤك ساعات الشروق واذهب بفكري بعيدا الى ما يحمل قاعك من اسرار لا تنتهي واغوار لا تنكشف .كنت ارى ماؤك يداعب زهرة هنا وشجرة هناك فتدنو اوراقها وتغتسل لتزداد بريقا وزهوا بانها جار لك .كنت ارى المسافة بين ضفتيك عمرا طويلا لا ينقضي واعجز حتى ان ابلغه بأحلامي فتجري مخيلتي ممتدة مع مسارك فتتوقف مخيلتي ويستمر جريانك لا نه اعظم من تحتويه مخيلتي. كانت ضفافك وسناء تعانق كل ما تحمله من اشياء تغفو ولكنها لا تنام وجنانك ورقاء مورقة متجددة الزهر والثمر وزهراء حدائقك مختلفة اللون والعبق. وثائرة روحك متمردة كتمرد ماؤك على ضفتيك .كنت ارى المستحيل تغزله املا عندما تتساقط خيوط الشمس فأتعلق بها به واسمو بعيدا عن واقع مؤلم يتربص بي احيانا .انت حتى في حزنك تفيض املا لتخرج اخاديد وسواقي كأنما دموع تزين صاحبها لتنموا حولها شجيرات من الرحمة ودفيء الاحساس .كنت تزداد هدير وقوة كلما ارعدت السماء وامطرت لتحتوي كل من ينجم عنها من سيول لتجده بعد برهة ماء عذبا يرتوي منه الزرع والضرع. أيها النهر هل بلغت نهاياتك وخارت قواك واضمحل ماؤك وبنت السنين اشواكها بأعماقك واطبقت ضفتيك على ضفتيك لتغدوا كل تلك الجنان الغناء الى اطلال تبكيك اجلا مستعجلا وحياة لم تدم طويلا. وتذوي بعدك وتيبس ويزول بريقها لتصبح رمادا يغطي ما تبقى من معالم لك لتقول ان نهرا كان يجري هاهنا استعجله القدر .فان لم يبقى لك من القوة ان تكون نهرا فلا اقل ان تستجمع قواك وتثور عيونا وتخلق واحة يرتوي منها من اعياه التعب واظمأه السفر فيغازلك بشعور المسافر المغترب ساعة ويذهب او ربما اعجبته صحبتك ليبني حولك بيتا او حيا يسمى باسمك اسمه النهر.
أمين الجنابي