elCinema.com

حقاً، هل تعرف المسرح؟

من خلال تجاربي التي قدمتها في المسرح أستطيع أن أقول بأن المسرح منطقة ملهمة للعلماء الذين يبحثون عن فرصة لتجربة فرضياتهم، وإثبات نظرياتهم، بل واكتشاف الإنسان الجديد الذي نحن عليه الآن وغدا.

إن المسرح باعتباره مختبر حيوي إنساني يمتلك أدوات رهيبة لتطبيق الأبحاث بالذات الاجتماعية والثقافية التي ترصد التأثير وتستهدف فهم التفكير والاتجاهات الجمعية.

وهذا يساعد كثيرا في استشراف التغييرات المستقبلية وردود الفعل المتوقعة للمجتمعات.

لست بصدد نشر تجاربي في هذه المقالة ولكني أريد أن أقول بأن من الأسرار التي تحيط بالمسرح حضوره المميز على مدى القرون الماضية -والقادمة بلاشك- وتأثيره المباشر على المتلقين له، بل وصانعيه، وهذا ما يجعله بالمفهوم البحثي (معملا) لممارسة البحث في العلم بالفن.

أؤمن في المسرح بنظرية هي جوهر اشتغالي منذ بدأت مشروعي (مسرح كيف) وهي تتمثل في أن كل شيء قابل للتجربة لأنه متغير، فلا شيء يبقى على حالته الجامدة مهما كان مع مراعاة أن الفرق الجوهري في الأشياء هو التباين في سرعة التغيير.

وبطبيعة الحال يخضع التغيير من جهة أخرى لأداة التغيير، مدى قوتها ومناسبتها لظروف المحيطة بالأشياء.

ومن المدهش أن للمسرح مهما اختلف مستواه الفني مفعول واضح، حتى تلك العروض التي قد لا تناسبنا ونتمرد عليها بالخروج وعدم إكمال مشاهدتها. هذا بحد ذاته من ردود الفعل التي تنبئ بأثر يستحق التأمل.

ومن الأمور الجديرة بالملاحظة، أن الحالة المسرحية معقدة جدا لدرجة أننا يجب أن نكون على رؤية واسعة بزاوية 360 درجة محاولين الإلمام بكل شي بدءا بنوعية الجمهور ومكان العرض وحالة فريق العمل النفسية، والثقافة العامة لدى المتلقي والظروف المزاجية للعينات المرصودة من متلقين وفريق العمل… والكثير الكثير من المعطيات الحيوية، فلا يوجد في المسرح ملاحظة لا تستحق الاهتمام.

مزعج جدا، وممتع للغاية
ويعلم ذلك كل باحث يرصد التجارب من الداخل، أي أن الباحث الذي أنادي بتواجده ضمن فريق العمل هو القادر على أن يجيب على السؤال العلمي الكبير (كيف؟)

كيف نصنع العرض؟ (المنهج)، كيف سيجده المتلقين؟ (الفرضيات والتساؤلات)، كيف كانت ردود الفعل؟ (النتائج والتحليل)، فهذا الثالوث العلمي الذي تشترك فيه الأبحاث العلمية بمختلف فروعها ومجالاتها.

والفلسفة المعملية هي أرضية كل المسرحيين المفكرين الذين أسسوا أساليبا ومدارسا ننتهجها اليوم ونتشدق بها في الندوات والمؤتمرات ونتسلق عليها لنتظاهر بثقافتنا وكأننا نركض في المضمار بعد انتهاء المنافسة، لذلك نعيش مسرحا تعيسا مشوها يطلق عنتريات الثوار من خلف الستار، ويمارس التهريج ليُضحك مجتمعاتنا التي تكره سذاجته وتلعنه بعد تخمتها من وجبة الضحك.

والصراع القائم بين أرباب الكوميديا المسطحة المبتذلة، ودعاة التجريب الغامض المنمق، صراع قديم ويبدأ النزال فيه من يشعر بالغيرة أو من يحيق به الخطر ويصارع من أجل البقاء في الصورة… وهو صراع لاقيمة له علميا وإبداعيا.

نعم المسرح سلعة عليها أن تثبت جودتها لتباع بطريقة فاخرة محترمة، ووسيلة وعي عليها أن تكون حكيمة وذكية في صياغة تأثيرها، ومن الصعب على الكثير أن يفهم ذلك في عصرنا هذا الذي أصبح المسرح سلعة مقلدة في يد التجار، وفارغة مسطحة يصنعها كل من هبّ ودبّ.

وأختم لكم:
بأن المسرح أعمق من نكتة وأسهل من لغز وأعجب من صورة ومدهش إلى مالانهاية.