طالما عودتنا النجمة نيلي كريم على تقديم أعمال درامية تدافع عن حقوق المرأة، على غرار مسلسل فاتن أمل حربي الذي طرح إحدى أهم قضايا النساء وهو قانون الأحوال الشخصية
وتواصل الفنانة دعم قضايا المرأة ، من خلال مشاركتها في هذا الموسم الرمضاني بمسلسل “عملة نادرة”، لتجسد شخصية “الست
نادرة” المرأة الصعيدية التي تفاجئ محيطها المحافظ بشخصيتها الثائرة
ويزخر تاريخ الفن في مصر، بأعمال ساهمت في فتح اعين المشرع و تغيير بعض القوانين
ففيلم “جعلوني مجرما” دفع الى اصدار قانون ينص على الاعفاء من السابقة الاولى في الصحيفة الجنائية
كما ساهم فيلم “كلمة شرف” في تعديل قوانين زيارات السجون، والسماح للسجين بزيارة استثنائية خارج السجن في بعض المناسبات
يُضاف اليهم، فيلم “أريد حلاّ” الذي ساهم في تنقيح قانون الاحوال الشخصية والسماح للمراة بخلع نفسها من زوجها
رمزية الأسماء : إحدى ركائز المسلسل
يعتمد المسلسل على الرمزية والتناقض في تسمية الشخصيات، فيكفي أن تتابع شخصية “نادرة” حتى تفهم علاقتها باسمها نُدرة صفاتها ومبادئها في محيط تنقصه المبادئ
أما اسم “عبد الجبار”، فيوحي بشخصية متجبّرة ومتسلطة، إذ هو الزعيم الذي لا تُسعفه
كُنيتة “الكبير” من الهروب من هذه الصفات المتسمة بإطلاق سمومها قولا، وعنفها فعلا
كما يُسعف الحظّ “مسعود” عدّة مرّات من اكتشاف جريمته في حقّ أخيه “بلال”، أو في التخلص من غيرة زوجته سميرة
بينما تبقى “أنس” تعيشُ وحدةً قاسية داخل محيط لم ينزع عنه قشرة الجاهلية ، ووحشية الافعال، وهي تقريبا الشخصية الوحيدة التي تؤنس “الست نادرة” وتلتقي معها في عدّة صفات خَيِّرة
تقلّب الشخصيات يزيد من تشويق المُشاهد
يرتكز “عملة نادرة” على تقلّب الشخصيات وتغييرها لثوبها ويكفي في هذا الصدد، ان نتابع التطور الحاصل في شخصية “عصام أبوعصايا” المتّصف بالهدوء في البداية، والذي يظهر لنا في الحلقات الاولى للمسلسل، ببراءته وهروبه الى عالم الأدب والمعرفة
خليك إنت في الكُتُب" هكذا يحدّثه عمه “عطية أبو عصايا” في أول حلقة من المسلسل، لينقلب عصام دون سابق انذار ومنذ الحلقة السابعة الى شخصية شريرة
وأصبحت شخصيته لا تختلف عن “حسن أبو عصايا” و “الكَبير” كما جاء على لسان “أنس” بعد أن رأت ردة فعله حول نشر الصحفي “نبيل عبيدة” لمقال في جريدة يفضح فيه ممارسات “الكبير”، بطلب من "نادرة
كما تحولت شخصية “الست نادرة” إلى شخصية خانعة لأوامر الكبير، خاضعة لأفراد عائلته، متسامحة لأقصى درجة،حيث عادت اليهم بعد هروبها على مدار 3 حلقات تقريبا
وبعد أن كانت ضد الثأر، أصبحت تؤمن بالدم فهي لم تنس حادثة قتل الكبير لوالدها عندما كانت طفلة
كاميرا ماندو العدل تعطي لكل ممثل مساحته
حرص ماندو العدل على منح كل ممثل المساحة التي يستحقها أمام الكاميرا ليتمكن من إستعراض قدراته التمثيلية
في الحلقات الثلاث الأولى ظهرت النجمة نيلي كريم بكلّ عنفوانها و حرفيتها، لتوارى فيما بعد، تاركة المجال لبقية الممثلين والممثلات في الحلقات الموالية
لنكتشف في الحلقة السادسة قدرة رهيبة لمريم الخشت على التمثيل والتعبيرعن تقلبات الشخصية
وفي الحلقة الثامنة برزت الممثلة ندى موسى ليحتلّ حضور شخصية “أنس” أغلب مشاهد الحلقة لتتمكن من إثبات قدرتها على إتقان الأدوار الصعبة متعددة الإنفعالات
أما النجمة “فريدة سيف نصر” (في دور سكينة)، فقد بدأت تتمتع بحيزها الخاص في في الحلقتين التاسعة والعاشرة
بدت سيف نصر في أغلب المشاهد شخصية كوميدية رغم شرورها، الا أنها اضفت على المسلسل جانبا مرحًا خاصة عندما تظهر ردود فعلها السعيدة حين يكشف لها زوجها “عبد الجبار” جانبه المظلم
“طالت ولا قصّرت، لازم في الأخير تتنازل عن الأرض”… يقول لها “عبد الجبار” في الحلقة التاسعة، ويطمئنها في الحلقة العاشرة بقوله “اسمعي يا سكينة، إوعي تكوني فكراني سامحت أمو يوسف” فترتمي سكينة كالعبد المطيع بين يديه تقبّلهما وتشكره على وقوفه في وجه “نادرة
وتُبدع النجمة في هذا الدور، متحكمة في ملامح وجهها وحركات جسدها، متقنة الشخصية الصعيدية صعبة المراس والمرحة في آن
من العام الى الخاص : “عملة نادرة” يعالجُ قضية حرمان النساء من الميراث في صعيد مصر
انطلق مسلسل عملة نادرة من الحديث عن التناحر على الميراث بشكل عام الى قضية حرمان النساء منه بشكل خاص
فالقضية الرئيسية للمسلسل تتمثل في تطاحن اغلب الشخصيات نحو الحصول على اكثر نصيب من الارض والاموال (وهنا تبرز تجارة السلاح وتهريب الآثار
ويمكن المال بدوره من الحصول على لقب “الكبير”، فهو يؤثر في اختيار النجع لزعيمهم المرتقب
ثم تدرج المؤلف إلى تسليط الضوء على قضية حرمان النساء في صعيد مصر من الميراث، ويبدو أن المؤلف قد وضع العادات و الدين في مقارنة، ليُبرز قوّة العادة عن الدين أحيانا
فالاسلام الذي تظهر معالمه في كل الحلقات تقريبا، تُرِكَ جانبا في ما يتعلق بميراث “نادرة” للأرض، ليصبح حقها في الإرث “فريضةً غائبة”، خوفا من تبدد ميراث عائلة “الكبير” و ذهابه الى رجل “غريب” قد تتزوجه “نادرة” مستقبلا”.
وبذلك فإن “الأرض حتتفتّت حِتتْ وتروح العزوة” كما جاء على لسان الكبير في الحلقة العاشرة
لازم تستغفري ربّك عشان اللي تعمليه" يقول عبد الجبار لنادرة، ليصبح وقوفها ضد التيار ودفاعها عن نصيبها في الارض، بمثابة الكفر والخروج عن الدين.
وبهذا الطرح، يكون المسلسل قد فتح نافذة على واقع النساء في صعيد مصر فالكثيرات منهنّ اما يتنازلن غصبا و بحكم من المحكمة عن حقّهن في الارث، أو يتحصلن على تعويض مالي عوض نصيبهن في العقارات والممتلكات
ولا يمثل حرمان النساء من الارث القضية النسائية الوحيدة التي يعالجها المسلسل، ففي الحلقة الثامنة ناقش اختيار المرأة لشريكها من خلال شخصية انس وعلاقتها بعصام أبو عصايا
ونستنتج ذلك بعد أن ارسل شخص مجهول صورة تجمعها به الى والدها، فثارت ثائرته، و عَزمَ أخاها مسعود على قتل عصام بطلق ناري لولا تدخل “حسن أبو عصايا”.
كما طرح العمل قضية تزويج النساء غصبا من خلال شخصية “عمر” المتشددة دينيا واخته بائعة السمك في الحلقة العاشرة
يأتي عمر لاخته ويعلمها بأنه وجد لها عريسا ويمنعها من العمل، بعد أن حرضه إحدى الشيوخ على ذلك تحت متعللا بالحجة الدينية ليقنعه بانه افضل عريس لاخته
لقد تمكن المخرج من خلال مسلسل عملة نادرة من طرح عدة قضايا متشعبة في صعيد مصر، ولم يُثنه الحيز الزمني الضيق للحلقات، من تسليط الضوء عليها بشكل واضح وكافٍ يجعل المشاهد في تشويق وهو يتابعُ الاحداث والشخصيات المتقلبة .