فاجأنا “عملة نادرة” كعادته بأحداث جديدة، ليبقى المشاهد في حيرة من أمره وهو يتابع تقلّب الشخصيات وتخبطها في هواجسها : انه فنّ الاغواء .
- اتقان الأدوار وقوة الآداء : طعم لذيذ يغوي المتفرج
المدهش في المسلسل أن الشخصية الوحيدة التي جمعت بين العاطفة والعقل هي “نادرة” التي أدتها نيلي كريم.
وقد استثمرت النجمة ملامحها و نبرة صوتها التي أتقنت اللهجة
من أجل إنجاح دورها الصعيدية.
كما ابدع جمال سليمان في اداء دور “الكبير”، فهو الممثل الشيطان الذي ساعده في انجاح دوره، تجربته الطويلة في الاعمال الدرامية الصعيدية .
اماالنجم “محمد لطفي” في دور “شداد ابن بوزيد” فقد بدأ في الظهور بتلك الملامح القاسية والنظرات الحادة التي تذبُل وتمتلأ حبّا كلّما التقى بنادرة، بداية من الحلقة 12.
*مسلسل عملة نادرة يأخذ من كلّ قضيّة بطرف
في الحلقة الحادية عشر نعيش أجواء الانتخابات كما نعرفها من خلال عدة اعمال فنية سابقة، ليظهر لنا ديكور هذه المناسبة بكلّ الوانه الكاذبة.
كذب يتشكّل في ولائم تُنصَبُ هنا وهناك، اموال تُصرف، شعارات دينية تتلاعب بعواطف الناخبين، ووعود وربّما تهديدات : كلُّ طرف وطريقته في الاقناع.
كما تكشف لنا انتخابات " كبير النّجع" عن النزعة الدموية لأغلب الشخصيات .
فقد اعلن “عطية ابو عصايا” وابنه عن رغبتهما في قتل “حسن ابو عصايا”، من أجل الظفر بالانتخابات.
“الدم واحد يا سكينة … دم القاتل ودم المقتول… كل اللي اشوفه في منامي هو دم ولا عارف دمي ولاّ دمو”… يحدّث الكبير زوجته بهذه الكلمات الحزينة.
وقد تأثر بقتل ابنه مسعود لإخ نادرة في الحلقة الرابعة عشر، لنلاحظ اتساع رقعة الدم في المسلسل.
نزعة دموية تتبناها نادرة في الحلقة الموالية عندما تشك في قتل أخيها من طرف عائلة زوجها السابق، وتبدأ في التخطيط مع زوجها الثاني “شدّاد” للإنتقام باستعمال السلاح.
كما تكشف لنا مناسبة “المولد” عن تناقض أهل النجع رغم قدسيّة هذه المناسبة، عندما نراهم يستمتعون بتمايل احدى الراقصات، أو عندما نشاهدُ نظرات “مسعود” المستمتعة بغنج “دوميانا المسيحية”.
ومن اجل شهواته، لا يعبأ مسعود بحزن زوجته “سميرة” التي تُظهر جانبا ضعيفا من شخصيتها وهي تقول " انا ايه يخليني أقبل الذل وقلة القيمة؟".
يطلب مسعود من دميانا الزواج في الحلقة 17، بعد وفاة زوجها في الحلقة التي سبقتها، في مشهد حزين ابدعت فيه الممثلة .
يتطرّق المسلسل ايضا الى كيفية استعمال الحجة الدينية بطرق مختلفة من خلال حوار الشيخ المنزلاوي و علاء في نفس الحلقة.
ومن خلال الحلقة 17 ، طفت نظرة المجتمع إلى الأرامل على السطح.
فقد غابت نادرة عن مراسم زواجها من طرف شداد، متحججة بالاهتمام بطفلها .
وهي مناسبة أشعلت نيران الغضب لدى عائلة “الكبير” فزوجة الابن تصبح بمثابة ملكية خاصة حتى بعد وفاة زوجها.
*مسلسل عملة نادرة :قوة اخراج تغطي بعض الهنّات
بالكاد نلاحظ ضعف المسلسل، فأغلب الحلقات تدهشنا بقوة حبكتها و اتقانها اخراجا واداءً وتصويرًا.
وقد نصرف النظر احيانا على بعض الاخطاء، ونذكر من بينها ما لاحظنا في الحلقة الرابعة عشر خلال مشاهدة سجن نادرة مع اخيها من طرف عائلة زوجها بعد اتهامها أنه عشيقها.
فكيف للعقلية الصعيدية أن تقبل بتواجد امراة و الشخص الذي يحتمل ان يكون عشيقها في نفس المكان بدون رقيب ولا حسيب ؟
*مسلسل عملة نادرة والصراع الأبدي بين العقل والعاطفة
“الفكر هيقتلني يا ولدي” : هكذا يخاطب حسن ابو عصايا ابنه عصام، في مشهد يوحي لنا بأن هذه الشخصية العاطفية لا تحتمل حيرة الشك و التفكير.
أما “أنس” فهي صاحبة المواقف العقلانية المحضة، إذ تظهر لنا في كل الأحداث، كضميرٍ حيّ يؤنّب الشخصيات الشريرة ويقضّ مضجعهم.
نتأكد من ذلك في الحلقة السادسة عشر عندما يدور بينها وبين والدتها حوارا تقسو فيه على هذه الاخيرة قائلة “العذاب يحوّل الملائكة لشياطين” في احالة الى طفولة امها القاسية.
وبين هذا وذاك تظهر لنا الست نادرة في موازنة بين العقل والعاطفة، فاصبحت تدعم بقية الشخصيات بعد ان وجدت رفيق دربها “شداد بن ابو زيد”.
وتبرز قوة نادرة في الحلقة الثامنة عشر خصوصا، حين نشاهدها واقفة بكل عنفوانها في قمة احد الجبال، ثم تبدأ بتنفيذ مخططاتها بمساعدة من “شداد” ورجاله .
قد خلّصت “إسراء” من ابتزاز “سكينة”، و ساندت “حسن أبو عصايا” في الانتخابات ليصبح “كبير النجع”، و انتقمت من “الكبير” بأخذ سلاحه .
وهي احداث ساخنة شهدتها الحلقة 19 من المسلسل.
ومن الواضح أن المخرج أراد أن يكرّم النساء من خلال هذا العمل، بمشاهد تكشف لنا عن هشاشة وضعيتهن تارة، وقوتهنّ تارة أخرى، وبين الضعف والقوة تدور الاحداث باسترسال وتشويق مثيرين، ويبدو أنّ المسلسل سيبقى وفيا لقضايا النساء حتى لحظاته الاخيرة.