[ من صفحة فيلم : ثرثرة فوق النيل ]
للي يعيش بوعيه في الزمن دا لازم يموت من الغيظ (ثرثرة فوق النيل - نجيب محفوظ)
بزرميط يا صاحبي بزرميط
الفيلم : ثرثرة فوق النيل
السنة: ١٩٧١
الإنتاج: رمسيس فيلم عن العبث في ظل واقع قاسي، من الأفلام اللي أقدر أقول بأريحية انه تفوق علي الرواية الأصلية طبعاً مع إعطاء النص الأدبي كل الفضل و التقدير في خلق هذا العالم من أساسه، تحفة نجيب محفوظ الأبدية.
يحكي فيلم ثرثرة فوق النيل المأخوذ عن رواية نجيب محفوظ اللي اتكتبت عام ١٩٦٦ و تم صناعة الفيلم عام ١٩٧١، عن حياة مجموعة من المواطنين المصريين الذين يهربون من واقع الحياة الصعب في عوامة أحد الشخصيات تلو هزيمة يونيو ١٩٦٧ و تناولهم للحشيش المستمر دون توقف.
من الصعب ذكر أي قائمة بأفلام مهمة أو ذات تأثير في السينما المصرية أو العالمية و لا يقال فيها إسم فيلم ثرثرة فوق النيل. فهو فيلم في غاية الأهمية من حيث السرد النقدي السياسي و الإجتماعي الذي يطرحه في ظل وقت من أصعب ما مرت به مصر .
فيلم أهميته تصل لدرجة أن بعد ما يقرب من خمسين عاماً علي عرضه، فهو مازال يلمس كل مواطن مصري علي العديد من المستويات، سواء الواقع السياسي المرير الذي نعيشه مع إختلاف الظروف و التفاصيل، أو الواقع الإجتماعي و تركيبة المجتمع المتفككة من الباطن و لكنها من الخارج تبدو و كأنها علي ما يرام.
الفيلم من أول كادر فيه و هو يقدم لنا البطل الحقيقي للفيلم، و هي الجوزة اللي معبّية حشيش. تتر الإفتتاح يظهر لنا الجوزة منفردة و هي سيدة الموقف و سيدة الواقع، الكل يدور حول الجوزة و قوتها و تأثيرها علي الإنسان المصري في ذلك الوقت.
المخرج العظيم حسين كمال بدأ الفيلم بكادر واسع لشخصية عماد حمدي (أنيس) و هو ماشي في وسط الناس في الشارع و بيكلم نفسه، و تقريباً كل الناس ماشية بتكلم في نفسها، كله منكسر و مهزوم و في حالة عدم مبالاة من بعد الهزيمة، ياكش تولع. حسين كمال إستطاع تجسيد في إعتقادي أفضل نموذج للمواطن المصري “العادي”. الكثير من المخرجين يستصعب عليهم تعريف من هو المواطن العادي، اللي زي كل الناس، اللي الجمهور كله حيبقي بيRelate له، و أعتقد أن شخصية أنيس هي أحلي شخصية للمواطن العادي اللي ظهرت في السينما المصرية. تجسيد عماد الحمدي المذهل و رحلته في الفيلم أعطوا للفيلم روح مصر في ذلك الوقت، روح الإنكسار و اللامبالاة.
الشخصيات اللي كاتبها نجيب محفوظ كانت علي درجة جيدة من التنوع، فهم شخصيات ذو مكانة إجتماعية جيدة بقصص خلفية مختلفة، و لكنهم كلهم قرروا الهروب من الواقع و التجمع علي شئ واحد في العوامة اللي كانت بتمثل سياق إجتماعي مهم في ذلك الوقت في مصر، الحشيش. عندما يفشل كل شئ، الحشيش هو الملاذ، الحشيش الذي يعد صديق للمواطن المصري منذ الأبد، و الفيلم كان دايما مدي للحشيش و الجوزة حقهم في الكادرات.
الفيلم مليان بالرمزية، و ده كان من الجوانب اللي جعلت الفيلم يفقد رونقه بالنسبة لي، الكثير من الرمزية المقحمة بالرغم من تأثيرها علي الأحداث و الحوار بين الشخصيات، سواء لما تمثله الفلاحة اللي ماتت و ما يمثله صوت العقل المتمثل في شخصية ماجدة الخطيب، الصحفية الصاعدة التي كانت تذهب للعوامة لدراسة النسيج المجتمعي و خطبها الواعظة للمجموعة، و كانت بصراحة أسخف حاجة، التوجيه و الإرشاد الأخلاقي للشخصيات و الذي هو بالتالي للمشاهدين.
من أحلي الشخصيات اللي تم طرحها في الفيلم و كانت بتمثل الجانب الكوميدي الخفيف، و هي شخصية بواب العوامة، شخصية البواب اللعين التي تلاحق المصريين حتي يومنا الحالي، اللي مراقب اللي داخل و اللي طالع و إصداره للأحكام و التلقيحات علي اللي عاجبه و اللي مش عاجبه. و كان هو اللي الفيلم إختاره ينهي مسيرة العوامة و ما تجلبه من سطل و هطل و فك الحبل و رماهم في النيل لمصيرهم المجهول. هذا هو التمثيل الحقيقي لقوة شخصية البواب أو حارس أي مبني سكني في العموم.
أداء الممثلين كلهم رائع، خصوصاً عادل أدهم بجمله الصايعة، الفيلم أصلاً كله جمل حلوة و صايعة، صياعة الجمل المصرية اللي بتلعب علي مليون نغمة و تأثير، و تم تقديم جمل أصبحت لا تتجزأ عن تراثنا اللغوي الحالي مثل “رجب، حوش صاحبك عني”
بعتبر ده فيلم مصري حقيقي، فيلم من نوعية بقت منعدمة حاليا في سينماتنا المعاصرة، فيلم عرف يعبر عن حالة كاملة، حالة من الغياب الواقعي و الوعيي، عبر عن رغبتنا في الهروب من ما نعتقد ان لا يمكن تغييره، الإستسلام للقدر و الإنكسار، و لكن الفيلم بيقرر في النهاية يبعت رسالة للمصريين و لمصر علي لسان شخصية الفيلم الصامتة معظم الفيلم، الشخصية اللي كانت مهمشة في الكادرات في يوتوبيا العوامة و لكن تتصدر كادرات الواقع في الشارع، شخصية النص ميت و النص مجنون، وزير شئون الكيف أنيس (عماد حمدي) و هو بيقول “لازم نفوق، لازم نفوق”