يتواصلُ التشويق في مسلسل عملة نادرة، وتأخذ الحلقات منعرجات جديدة تمثّل طعما لذيذا يغوي المشاهد.
نادرة تفقد أعزاءها الواحد تلو الآخر
يبدو ان مصير نادرة هو فقدان الاحبّة الواحد تلو الاخر، ، فبعد قتل زوجها ، ثمّ أخيها، فقدت في الحلقة العشرين زوجها الثاني “شدّاد” بطلقة نارية بتحريض من “الكَبير”.
ومما يزيدُ بؤس شخصية نادرة، هو ذلك الرفض الذي يلاحقها في كل مرة، فبعد موت “شدّاد”، طردها رجاله، وهو فقدان من نوع آخر هو فقدان السّند والملجأ.
قضايا متشعبة في مسلسل عملة نادرة
نوّهنا في مقالاتنا السابقة, عن القضايا التي يلامسها مسلسل عملة نادرة، وهي قضايا متشعبة، يطرحها المخرج في كل مرة بطرق مختلفة.
ونبش القضايا من زوايا نظر مختلفة، يجنّب المسلسل من الوقوع في الملل والتكرار.
فقضايا المراة التي يرتكز عليها المسلسل، تظهر للمتفرّج بشكل بسيط قد يستسيغه أي شخص مهما كانت درجة وعيه.
يقول أحد رجال شدّاد بعد وفاة زعيمه، “مرا زيّك كيف تقعد مع اربع رجّالة؟”. حُكمٌ عكسي لصورة الرجل الذي لا يعيبه تواجده مع اربعة نساء، وربما سيعرض عليهنّ الزواج كحق شرعي.
تتمسك نادرة بالمكوث في الجبل، ولكن الرجل يطردها بلا رحمة، فتعود للديار اين امضت طفولتها و تفكّر في ان تلتجأ للسحر وحبوب الهلوسة لتدمير “مسعود”.وهنا يحيلنا المخرج لفكرة السحر، بل ويجعله المحور الرئيسي للحلقة الثانية والعشرين.
ففي مقابل نادرة التي تلتجئ الى السحر كحلّ للانتقام، يلتجئ اليه الكبير وعائلة ابو عصايا للحصول على الكنز الذي يزعمون أنه مدفون في منزل دميانا.
وبهدف الحصول على الكنز، تتهافت عروض الزواج من طرف ابناء العائلتين من اجل التزوج بدميانا. انها عبادة المال التي تجعل الشخص يتنازل عن كل شيء للوصول الى الإثراء !
عبادةٌ تجعل “عطية ابو عصايا” يقول : “لو وصل الامر نقتلها هي نصرانية ولا ليها ديّة”، وتجعل الكبير يوافق على زواج ابنه مسعود منها رغم انها “نصرانية”. اما قريبها “عزّت”، فقد غلبته اطماعه وحاول قتلها.
وبين مُرّين، تختار دوميانا القرار الاقلّ مرارةً في الحلقة الثالثة والعشرون، وتتزوج من قريبها رغم فعلته الشنيعة، وتكمل معه رحلة الوجع حين يوافق على ابتزازات الكبير، و يشجعها على دسّ السم في طعام نادرة، للحصول على المال.
في الحلقة الرابعة والعشرون، يذكّرنا المخرج بتزويج النساء غصبا عن ارادتهنّ حين تُحاصر نادرة بنظرة النجع القاسية وهي تقيم في منزل “حسن ابو عصايا”.
يقول “مولانا” لأبو عصايا: “يرضيك مرا غريبة تبقى بين الرّجالة”؟ فيقطع عليه الاخير اسئلته باعلان زواجها من نادرة.
فالزواج في مجتمع تقليدي مثل “النّجع” هو الملاذ الامن للنساء الوحيدات، حتى يحمين أنفسهنّ من اطماع الذكور.
اما الحلقتين السادسة والعشرون والسابعة والعشرون فتُطرح فيهما قضية العلاقات خارج اطار الزواج، والابناء غير الشرعيين من خلال قصة اسراء التي يطردها زوجها فتختفي وتقرر الانتحار.
وتظهر لنا اسراء في لحظاتها الاخيرة بوجه حزين، تقف على حافّة شاهق، تنزع العباية وتضعها على الارض وراءها ثم ترمي نفسها من اعلى .
وفي هذا المشهد، تحضر “العَباية الصعيدية” بقوة من جديد بكلّ ما يمكن أن تحمله من رمزية : لقد تحررت اسراء من “عباية” الظلم والقهر وانطلقت نحو العالم اخر، وكأن مصير النساء منحصر بين الموت اجتماعيا، والموت جسديا.
كاستينغ مُوفَّق :نيلي كريم وأحمد عيد في الصدارة
تُبدع نيلي كريم في دور نادرة، مثل عادتها، و تتقمص الشخصية لأبعد حد، فتتقن التعبير عن لين الشخصية تارة وقسوتها تارة اخرى، وقد نلاحظُ ذلك في المشهد الموالي لاختطاف ابنها من طرف مسعود .
تُطلق نادرة صرخة واحدة “يوسف”، وتركزّ الكاميرا على ملامح وجهها المعبرة، وتختم الحلقة الرابعة والعشرين بهذا المشهد تاركة المشاهد في حيرة حول ما ستؤول اليه الأحداث فيما بعد.
في الحلقة الموالية، تشعل نادرة مكتب “الكبير” وتحرق جميع المستندات التي فيه، ثم تعود الى بيتها، تتامل انعكاس ملامحها على المرآة، مستغربة لما الت اليه شخصيتها من نزعة دموية.
وينطلق خلال المشهد، صوت يغنّي في حزن “يا مصوّراتي الصورة دي موش ليا، الوشّ دا مش وشّي ولا العيون دي عيوني” : موسيقى تصويرية تتلاءم مع ما تمرّ به شخصية نادرة من انكار لجانبها المظلم والمخيف.
أما “احمد عيد” الذي تقمص شخصية الشيطان في المسلسل، فقد فاجأنا في الحلقة السادسة والعشرين، بوجه ممحوّ الملامح، وقد اتقن المريض النفسي، بل ولبسهُ حرفيّا.
قوة اخراج وسيناريو: مسلسل ملغوم بالعِبر
“دا شغل يا سي مسعود، مش شحاته” تقول دوميانا وهي تستعد للذهاب الى عملها. وتقول ايضا لعزّت وهو يحاول قتلها في الحلقة 23 “يا ولاد الكلب… يا اولاد الكلب، يلعن ابو الفلوس، الفلوس هي اللي قتلت بلال”.
وبالنسبة لسكينة فتخاطب زوجها “الكبير” قائلة :“اللي يزرع شوك يحصد شوك يا عبد الجبّار”.
أما علاء الذي اكتشف في الحلقة 26 خيانة زوجته فيقول لها متحدّثا عن رضيعتها “دي ملاك من بطن شطان”.
تجيبه اسراء بدورها، وهو جاثية على ركبتيها، متضرّعة لهُ “الأب هو اللي يكبّر ويربّي ويكون سند”.
وكل ما ورد على لسان الشخصيات يحوّل المسلسل الى فضاء مليئ بالحِكم والعبر، ضمنيّة كانت أو تصريحية، وهو ما ينم عن قوة الاخراج والسيناريو في ذات الان.
لقد نجح مادو العدل مرة في الاخراج، وبرهن على ان العمل الدرامي امّا يكون متكاملا أو لا يكون، فبين قوة الحبكة وقوة الإخراج وحرفيّة الممثلين، يكمن نجاح مسلسل عملة نادرة.