elCinema.com

نصف قرن من الزعامة

[ من صفحة عادل إمام ]
لا يجوز الحديث عن أصول الكوميديا دون ذكر اسمه… هو الحريف الذي جعل البعض يذهب للسينما مرتين… كان باستحقاق زعيم الفن العربي، أستاذ التمثيل ورئيس قسم الكوميديا… أكثر الممثلين جماهيرية في تاريخ السينما والمسرح العربيين… ولم يكتف بذلك فكان بمثابة الهرم الرابع لمصر ورمزا من رموزها… تجاوز الفن فنصبته شعبيته التي لا تضاهى سفيرا للنوايا الحسنة لدى الأمم المتحدة… الزعيم “عادل إمام”.
عادل محمد إمام من مواليد قرية شها بالمنصورة، كان عاشقا للسينما منذ نعومة أظافره لكن والده المحافظ كان يمنعه من دخول قاعات السينما، فكان يتسلل لها خلسة لمشاهدة الأفلام الأمريكية وأفلام اسماعيل ياسين ونجيب الريحاني وعلي الكسار وغيرهم من أساطير الكوميديا… كانت بداية الزعيم من خلال مسرح الجامعة قبل أن تسنح له الفرصة للوقوف أمام أستاذه فؤاد المهندس لأول مرة في مسرحية “سري جدا”، وظل يلعب أدوارا صغيرة حتى لفت الأنظار في مسرحية “أنا وهو وهي” التي تحولت لعمل سينمائي بنفس الاسم وكان أول فيلم يظهر فيه عادل إمام، واكتشفه أثناء عرض المسرحية المؤلف سمير خفاجي مؤسس فرقة الفنانين المتحدين المنتجة لإحدى كلاسيكيات المسرح العربي “مدرسة المشاغبين”، المسرحية التي كتبت الميلاد الحقيقي للكوميديان العظيم كما وصفه الناقد محمود السعدني قبل عرضها بسنوات في وقت لم يكن عادل إمام قد قدم أعمالا تمنحه هذا الوصف، لكن شقيق صديق العمر صلاح السعدني رأى فيه تفاصيلا تخول له أن يكون كوميديانا عظيما، وهو ما كان فعلا. لعب عادل إمام خلال ستينات وبداية سبعينات القرن الماضي أدوارا ثانوية أثبت من خلالها أحقيته بمنحه مساحة أكبر للإضحاك، ومن أهم الأفلام التي شارك بها خلال هذه الفترة “مراتي مدير عام”، لصوص لكن ظرفاء"، “المراية”، “رحلة لذيذة”، و"فتاة الاستعراض"… لتكون له بعد ذلك وتحديدا سنة 1973 فرصة خوض أول بطولة مطلقة في فيلم “البحث عن فضيحة” أمام الجميلة ميرفت أمين، وكان من المفروض تولي الأب الروحي للكوميديا في مصر فطين عبد الوهاب إخراج الفيلم لكنه فارق الحياة قبل أن يتحقق حلم عادل إمام بالعمل معه في فيلم من بطولته، وسنة 1976 زاد تعلق الجمهور بالزعيم بعد عرض مسرحية “شاهد ما شفش حاجة”، لينتزع بعدها ثوب الكوميديا في فيلم “احنا بتوع الأتوبيس” الذي تناول القمع السياسي أثناء فترة جمال عبد الناصر، ثم قدم أحد أهم المسلسلات الدرامية في تاريخ التلفزيون العربي “دموع في عيون وقحة” سنة 1980، لتنطلق النجومية الحقيقية لعادل إمام في بداية الثمانينات التي تعتبر من أهم وأزهى فتراته، حيث قدم فيها أعمالا مهمة ناقش من خلالها مواضيعا كانت تشغل الرأي العام في مصر، أبرزها الانفتاح الاقتصادي في فترة السادات، ويظهر ذلك في أفلام “أمهات في المنفى” و"الأفوكاتو" و"الغول" و"حب في الزنزانة"… وفضح الطرق غير المشروعة التي ينتهجها رجال الأعمال في تكوين ثروتهم من خلال فيلم “حتى لا يطير الدخان”، وجال بنا في ثنايا القاهرة مع عاشق تفاصيل المدينة محمد خان في أفضل فيلم في تاريخ عادل إمام “الحريف” الذي جعله الفشل الجماهيري في البداية يندم على خوض بطولته، وهو اليوم مصدر فخر بالنسبة له لكونه أحد أهم الأفلام التي أنتجتها السينما العربية على الإطلاق، كما تناول أزمة السكن في فيلم “كراكون في الشارع” مع القديرة يسرا التي شكلت معه ثنائيا عظيما، حيث كانت الرومنسية عنوانا لأعمالهما، واجتمعا سويا في تحف فنية لم تخل من كوميديا الزعيم مثل “الإنسان يعيش مرة واحدة” و"ليلة شتاء دافئة". ومع هذه الأعمال المهمة إلا أن عادل إمام كان ينتهج مبدأ “شوية كده وشوية كده” مستغلا موهبته النادرة في الإضحاك وتعلق الجمهور الكبير به لتقديم بعض الأفلام التجارية التي جعلته أحد أهم نجوم الشباك في فترة الثمانينات.
وحيد حامد يكتب، شريف عرفة يخرج وعادل إمام يمثل… تكررت هذه التشكيلة في التسعينات فلخص هذا الثلاثي العظيم الحياة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية للمصريين في هذه الفترة من خلال أفلام “اللعب مع الكبار”، “الإرهاب والكباب”، “المنسي”، “طيور الظلام”، “النوم في العسل”. كما قدم عادل إمام مع شريف عرفة في نفس الحقبة المسرحية العظيمة إخراجا وأداءا “الزعيم”.
في نهاية التسعينات وبداية الألفية الجديدة بدأت موازين قوى الكوميديا المصرية تتغير مع ظهور جيل جديد، لكن عادل إمام ظل متربعا على عرش النجومية، وهذه قاعدة ثابتة لا تتغير. بين أفلام كوميدية مثل “التجربة الدنماركية” و “عريس من جهة أمنية”، وأخرى اجتماعية وسياسية مثل “عمارة يعقوبيان” و “حسن ومرقص”، تنوعت الأعمال الحديثة للزعيم، والتي سمحت له بالبقاء منافسا قويا على الإيرادات.
بعد ثورة يناير، عاد عادل إمام إلى الدراما بعد غياب طويل من خلال مسلسل “فرقة ناجي عطاالله”، تلاه “العراف”، وتصدر بهما نسبة المشاهدات في المواسم التلفزيونية الرمضانية.
قد تكون اختياراته الأخيرة غير موفقة إلى حد ما، لكن تاريخه يشفع له، ويضعه ضمن قائمة أعظم وأهم الممثلين العرب الذين كتبت شهادة ميلادهم على خشبة المسرح، ترعرعوا على يد السينما وزادهم التلفزيون تألقا وإبداعا.